على ناصية بيتي وعلى الناصية الأخرى
أراه في كل صباح. مهما خرجت باكرًا من منزلي، فهو هناك قبلي. يقف ويشتم رائحة الكعك الساخن، يشكر الله على هذه النعمة، يستمتع ببعض الدفء الخارج منه، ينتظر زبائنه المعتادين، ويأمل ببعض الجدد منهم. يرحّب بهم وينظر إليهم بابتسامة مع "صحتين" متأملاً أن يكون هذا الطعام قوة لهم في هذا اليوم الجديد، يضع نقوده القليلة ويشكر الله على النعمة، ومع الزعتر يقدّم لزبونه المعتاد "طبشة البيّاع" أي القليل الإضافي تعبيرًا عن كرمه. وهناك على الناصية الأخرى، لم أره ولكنني رأيت الكثيرين العاملين عنده بل وله ولخدمته، لم أزره ولكنني شممت رائحة أمواله النتنة، سمعت تذمره على كل صغيرة وكبيرة، سمعت عن حساباته البنكية واستثماراته ومدى الرفاهية التي عاش ويعيش بها، وكذلك سمعت صراخ العاملين معه، رأيت تعبهم مقابل القليل، سمعت عن حقوقهم المهدورة. رأيته يدفع أجور العاملين عنده، وهو يتألم مع كل قرش يخرج من جيبه! وما زال يحاول بشتى الطرق أن يزيد من حساباته البنكية واستثماراته ومع كل استثمار يكون هناك ضحايا ومتضرّرون. وما زال ذاك على الناصية الأخرى يستمتع ببعض الدفء الخارج من كعكه الساخن.