أمهات بدوام كامل، أم دوام كامل وأمهات
هذا
ما تشكو منه الكثير من الأمهات، الشعور بالذنب. فما أن تنتهي إجازة الأمومة وتعود
الأم إلى عملها ووظيفتها بدوام كامل حتى يبدأ ذلك الشعور "الشعور
بالذنب" يسيطر عليها بل ويخنقها في كل يوم، في كل مرة تخرج من منزلها والمطر
ينهمر لتوصل طفلها الرضيع إلى الحضانة، ومع كل مرة تسلّم الشنطة وما بها من حليب
وحفاظات وملابس للمربية في الحضانة، وعندما تسمع صوت بكاء ابنها بينما تخرج من
الحضانة، وعندما تقف لمدة خمس دقائق أو أكثر في الخارج منتظرة أن يتوقف عن البكاء.
ولا تعفى الأم التي تمكنت من أن يكون لديها مساعدة "فلبينية مثلاً" في
المنزل من هذا الشعور. فينتابها هذا الشعور "الشعور بالذنب" بينما تخرج
من المنزل وطفلها ما زال نائماً، وتشعر بالذنب كذلك وهي تشرح للمساعدة كمية الحليب
ومقدار الماء الذي يجب أن تضعه في زجاجة الحليب. أما تلك الأم
"المحظوظة" التي تسكن بالقرب من أمها وحماتها والتي أصرّت الواحدة منهن
أو كلتاهما أن تهتم بحفيدها المدلّل. فالطفل عند "الماما"
و"الماما" تهتم به، نظافة مضمونة ورعاية كاملة وفوق ذلك طعام ساخن لها
ولزوجها، هل هناك أفضل من هذا؟ أتشعر هذه أيضاً بالذنب؟ نعم فهي تتعِب والدتها،
وهذا يمكنها أن تلاحظه من وجهها ومن بعض المسكنات التي تجدها على رف المطبخ. وتشعر
بالذنب أيضاً فهي أم ولكنها بعيدة عن ابنها ولا يمكنها الاهتمام به بشكل كامل.
وعندما
تتحدّث مع الأمهات العاملات، تكون إجابتهن في العادة: لا يمكننا إلا العمل فالعمل
هو الخيار الوحيد لنا. الحياة غالية والمصاريف كثيرة. قد يكون هذا صحيح لبعض
الحالات ولكن في حالات أخرى وبمجرد عملية حسابية بسيطة يمكنك أن تجد أن
"الداخل أو الراتب" لا يزيد كثيراً عن "الخارج أو المصاريف"،
فمصاريف المساعدة المنزلية والسيارة وغيرها من المصاريف بسبب العمل خارج المنزل
تساوي الراتب الذي تحصل عليه في آخر الشهر بل ربما أكثر منه. فأحياناً لا تكون
الأسباب التي تدفع الأمهات للعمل هي مادية بالفعل. فالأسباب المادية أو
"الحاجة" قد تذهِب بعيداً ذلك الشعور بالذنب. ولكن لا بد من أسباب كثيرة
تدفعهن للعمل.
أما
أن لا تعمل الأم وتتنازل عن وظيفتها فتلك هي خطوة صعبة جداً بل ومستحيلة بالنسبة
للكثير. فيمكنك أن تسمع قصص الكثير من الأمهات اللواتي تركن العمل لفترة وعملن
كأمها بدوام كامل، فكان ذلك بالنسبة لهن كابوس لا يحتمل. وتالياً ما يمكننا أن نصف
به الأم غير العاملة أو الأصح العاملة كأم بدوام كامل:
تقول:
"أقوم بعمل يبدو أنه غير مرئي": فالأم التي لا تعمل خارج المنزل تشعر أن
ما تقوم به خلال النهار هو غير مرئي، فمهما أطعمت أبناءها فبعد وقت قليل سيجوعون
وإن اهتمت بنظافتهم فبعد قليل سيتسخون ومهما لاعبتهم فسيملّون، أما البيت فتلك
حكاية أخرى فالغسيل والتنظيف والترتيب هو أمر لانهائي بل ويبدو أنها مهمة مستحيل
إتمامها، فمع كل غسيل يخرج من الغسالة نظيفاً يكون هناك أضعاف مثله في الانتظار،
ومع كل وجبة تنتهي يكون هناك وجبة أخرى بعدها بقليل. وفي نهاية اليوم وتقريباً مع
انتهاء الطاقة يأتي الزوج، فالأطفال ما زالوا بحاجة لطعام وما زال هناك الكثير
الكثير من الأعمال المنزلية العالقة. لا يعلم الزوج ما الذي مرت به الزوجة خلال
النهار ولا يعلم كم عدد الحفاظات التي غيرّتها أو الوجبات التي حضّرتها وكم مرة
مسحت الأرض والتي مازالت متسخة. يقول الزوج لزوجته: شكرا ً على تعبك ولكنه يظن في
داخله أنه هو الموظف المرهق الذي يحتاج الآن للاهتمام والدلال من زوجته
"القاعدة" في البيت. أما الزوجة "القاعدة" فتشعر أن وقتها قد
انتهى الآن ويجب عليه أن يستلم السباق المنزلي هذا عنها، وهنا يحصل الخلاف. هو
المنتِج الذي يوفر المال لأسرته وهي مربية الأجيال، ولكن من الذي يتعب أكثر،
"أنا طبعاً" هو يقول، "أنا طبعاً" هي تقول.
فتقرّر:
"أعود لعملي أفضل، ففيه أشعر بالإنجاز، وأشعر بالتقدير من الآخرين، فأنا
عاملة منتجة، وعملي يرى وليس هو بالعمل غير المرئي".
تقول:
"أتوقف عن العمل الآن فأخسر عملي للأبد"، تتمسك الكثير من الأمهات
بعملهن لأن فيه تشعر بالتطور والتقدّم، وتترقى ويزداد راتبها وتحصل على مكانة
أفضل. ولكّن إن فكرت بترك وظيفتها للاهتمام بأبنائها فلن تتمكن من العودة للعمل
مرة أخرى، ففرص العمل أقل، وعمرها يزداد، وخبرتها تتوقف ولا بد من أن يأتي غيرها
ليأخذ مكانها، فما عليها إلا أن تتمسك بالوظيفة فتتبعها ميزاتها.
فتقرّر:
"أستمر بالعمل وأحصل على مساعدة منزلية وعائلية ويمكننا تحمل بعض التعب
كعائلة بضعة سنوات، فالأولاد مع المساعِدة في المنزل ومنهم من يعودون في حافلة
المدرسة عند الجد والجدة، والدراسة تبدأ بعد غروب الشمس، والجري لإتمام الأعمال
المنزلية ومتابعة الأولاد في دراستهم مستمر. ولكن الأمور تسير وهي غير متوقفة،
هناك بعض الخسارة ولكن لا بأس.
تعليقات
إرسال تعليق