الخيار والاختيار


جاء ذلك اليوم الذي لم أنتظره، اليوم الذي حدّدته ووضعت دائرة حمراء كبيرة حوله على رزنامتي. جاء ذلك اليوم وجاءت معه موجة كبيرة اجتاحت قلبي فأحدثت هيجانًا من المشاعر، المشاعر التي تصدّرها الشعور بالذنب. كيف أتركه؟ وهل من أيدٍ أمينة أتركه بينها؟ إنه جزء من كياني، فرحلة حياته معي لم تكن رحلة سهلة.

اخترت أمي، فهي الخيار الأفضل، لن يكون من هو أفضل منها ليهتم بطفلي الرضيع البالغ من العمر سبعون يومًا، جاء اليوم الذي فيه أعود إلى عملي، وكانت أمي هي الحل الأمثل. لكن عاد الشعور بالذنب يلاحقني فأمي تعبت بما فيه الكفاية واستنفذت ما تبقى ما لديها من طاقة فهل أحمّلها تلك المسؤولية الجديدة؟ جلسات من العصف الذهني مع بعض الصديقات جعلتني آتي بفكرة جديدة: الحضانة الخيار الآخر، جاء هذا الخيار ومعه العديد من المخاوف، والكثير من القصص التي سردَتها الجارات والقريبات من شتى بلاد العالم عن الحضانات والمربيات والكثير من الحوادث والقصص المخيفة. عدت إلى حيث بدأت، ذات الشعور يلاحقني مع كل مرة فيها أجهز حقيبة طفلي الصغير، وفي كل مرة أسمع النشرة الجوية وأعلم أن هناك غد ماطر بالانتظار، وفي حالات من التفكير العميق المركّز فكّرت باستقدام مربية إلى البيت للاعتناء بالطفل، في غرفته الخاصة، جاء هذا القرار وجاءت معه بعض العمليات الحسابية ودراسة جدوى اقتصادية قمت بها مع زوجي. فاحتجت لبعض الوقت والتجربة العملية لأقيم مدى صحّة هذا القرار.

وفي يوم من الأيام، استيقظت بصعوبة بالغة بعد ليلة خالية من النوم بسبب فيروس أقلق طفلي، وأجلسني قربه في محاولات للتخلص من تأثيراته المزعجة. استيقظت وشعرت أنني أستيقظ لأنام في كابوس جديد، كابوس الذهاب إلى العمل. فهل ترك العمل والتفرغ للأمومة هو الحل؟ جاءت تلك الفكرة ومعها قائمة من الإيجابيات والسلبيات، وحسابات ومخاوف واقتراحات..... ماذا عن المستقبل؟ ماذا عني وأحلامي وطموحاتي؟ كيف ينظر لي الناس؟ من سيسدّد مصاريفي؟ هل هناك إمكانية للعمل الحر؟ هل من فرص جديدة لتحقيق حلم قديم أو لبعض الدخل حتى لو قليل؟

مرّت سنوات وما زالت موجات المشاعر تتلاعب في أعماقي، وما زلت أتنقّل بين خيار وخيار ظننته الأفضل. ولكنني الآن أبتسم لنفسي ولكل أم وأقول لها: أنت تقومين بعمل رائع، فالأمومة رحلة حياة نسيرها مهما كانت الظروف والأحوال، إنها رسالة فيها ينسكب قلب في قلب آخر، إنه تأثير حياة في حياة مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما كان الخيار والاختيار.


flat lay photography of eight coffee latte in mugs on round table


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل بطاريتك مشحونة؟ جزء 1

همّ البنات للممات

عالسريع