طب الطنجرة على تمها بتطلع البنت لأمّها


 

في طفولتي كانت تزعجني فكرة ترتيب السرير يوميًا! فما الفائدة من ذلك ما دمنا سننام على ذلك السرير ليلًا! كما وكنت أحاول بشتّى الطرق التهرّب من هذه المهمة! ومع طبيعة والدتي المنظمة، وبالأخص أنها كانت تعمل كممرضة، فقد كانت مهمة ترتيب السرير هامة جدًا، ليس ترتيب السرير بشكل عادي ولكن بتلك الطريقة المتّبعة في المستشفيات. فقد كانت أمي تقفز لنا وتسأل: "شدّيتو الشرشف"! وبالطبع كنّا في كثير من الأحيان نعتبر هذا غير مهم فما دام هناك غطاء فوق تلك الملاءة فلماذا نشدّها! كانت المعايير عالية في ترتيب السرير بشكل خاص. وها قد مرّت السنوات بعد زواجي، وما زلت أحاول التمرّد وترك السرير غير مرتّب، ولكنّني أفشل في كل مرّة، وإن كان زوجي أو ابني هما من يرتّبا الأسرة فيجداني أقفز لأتأكّد أن الشرشف مشدود. ما زلت في كل مرّة أضحك وأتذكّر المثل الذي يقول: طبّ الطنجرة على ثمها بتطلع البنت لأمّها. 


في أعماقي، وفي أعماق حتى زوجي وابني أمنية أن أكون "طالعة لأمي"، فأمي: 


* لا تعرف الأحقاد، ولا تقدر إلا على الغفران، قلبها كبير يتسّع الكثيرين. المحبة شعارنا وكل ما تعمل معجون بالمحبة بدءًا من ترتيب السرير وقلب طنجرة المقلوبة ومعايدة الأحفاد وحتى تنظيف الحمّام.

 

* لا تعرف إلا أن تمدّ يد العون لمن يحتاج، لا تعرف إلا أن تقول الحق، ولا تعرف إلا أن تكون السند السنيد لعائلتها، لا يمكنها إلا أن تضحّي، وفي تعبها تجد الراحة لأن تعبها معجون هو كذلك بالمحبة. 


* لا تعرف إلا أن تمسك أعصابها وتدير انفعالاتها، تمتص من أمامها وتحتوي الجميع، الصغير والكبير. حتى لو مرضت أو تعبت فهي تطمئن من حولها وتنزع خوفهم وقلقهم. 


* لا تعرف إلا أن تؤدّي جميع واجباتها، ولا تعرف ما هو التأجيل أو الكسل أو التراخي. لا أتذكّر يومًا خرجت دون أن ترتب سريرها أو تؤدّي صلاتها الصباحية أو تحتسي القهوة أو تخطط ليومها. لا أتذكّر أنها قالت لنا "دبروا حالكم بالغدا اليوم" ولا أتذكّر يومًا عشنا في فوضى أو وجود نقص في أي من الاحتياجات المنزلية. كانت دائمًا جاهزة مستعدّة. 


* لا تعرف إلا أن تفرح وتفرّح من حولها. وسط كل هذه المسؤوليات كنت أراها الأنيقة الراقية في ملابسها واكسسواراتها، كانت تنتقي كل شيء بعناية. كانت تشتري ما تحتاج، وعندما تحتاجه، لم أرها يومًا تجري وراء التنزيلات ولم أجد أكوامًا مما لا نحتاج في منزلنا. لا يهمّها السعر بل كانت تنتقي الجودة والعملية في كل ما تشتري. لم ترضَ بأي نوع من القهوة! فالقهوة يجب أن تكون فاخرة مهما ارتفع ثمنها. ووسط هذا لم تكن مبذرة بل حكيمة. العطاء والكرم كان من قيمها الهامة والذي لا نعلم عنه الكثير فمنه ما يجري في الخفاء. 

فإن طبّينا الطنجرة على تمها، هل رح تطلع البنت لأمها!

تعليقات

  1. ونعم الان ونعم البنات ، شهادة حق احاسب عليها دنيا وآخرة 😍

    ردحذف
  2. نعم الام ونعم البنات ، شهادة احاسب عليها دنيا وآخرة

    ردحذف
  3. حبيت التعليق

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل بطاريتك مشحونة؟ جزء 1

همّ البنات للممات

عالسريع