بِلزَم



 كانت تلفت نظري بكميّة الأشياء التي تحتفظ بها، وليس فقط الكمية ولكن مدى الوقت الذي كانت تُبقي الأشياء عندها، فيمكنك من خلال التجوال في منزلها أن تجد ما قد تجده لدى الكثيرين في سلّة المهملات. لا أدري ما السبب، ولكن أعتقد أن الأمر يعود إلى قناعة راسخة بأن كل ذلك "قد يلزم يومًا ما." هذه القناعة هي التي تدفع الكثير منا إلى الاحتفاظ بأمور غير مفيدة، وهذا بالنسبة لي هو ما يصعّب الحياة ويزيد من الفوضى بها. نظن أننا نوفّر أو أننا اقتصاديين، ولكنّنا ندفع الثمن الكبير، ونخسر الكثير. فاحتفاظنا بأشياء لا تلزمنا يأخذ من المساحة، والوقت والجهد، فنحن ننشغل بتلك الأشياء وترتيبها وإزالة الغبار عنها والتفكير بها، ولكنّنا وبمجرّد التخلّص منها فإننا نخلق مساحة أفضل لمزيد من الحرية والتي تقودنا إلى الراحة والإبداع. 

تمكّنت مؤخّرًا من خوض تلك الرحلة من تقليل ما لديّ من مقتنيات والعيش ببساطة، وهذا جعلني أكثر راحة وسعادة، وبمستوى أعلى من التركيز والإنتاجية والفعالية. لم يعد لديّ تعلّق بالمقتنيات ولم تعد هناك فوضى تحيط بي أو تكبّلني. كانت المساحة الواسعة الفارغة موسيقى مريحة لمسمعي. 


وامتدت تلك الرحلة إلى مستوى أفضل بقرارات الشراء الأكثر حكمة وانتقائية، فلم تعد تغريني تلك العروض ولا التنزيلات. وأصبحت أشتري ما أحتاج متى أحتاج وبأفضل نوعية لتوفير الوقت والجهد. وإن كان ممكنًا أن أشتري ما يمكن استخدامه لأكثر من غرض وبأكثر من طريقة والذي كنت أسمّيه التسوّق الذكي. فما يشغلني ليس تلك الأشياء التي نظن أنها توفّر أو تختصر الوقت، ولكن أفكّر دائمًا: ماذا بعد؟ فإن أردت أن أقرأ كتابًا فأفضّل استعارته وإعادته إلى المكتبة العامة بدلاً من شرائه. وإن كنت بحاجة إلى ملابس للعمل فأفضّل شراء عدد محدود ولكنّه قابل للدمج معًا بحيث تبدو في كل مرّة لبسة جديدة. وإن كنت أعمل أظافري في محل الأظافر فلم أعد أشتري كل تلك الأدوات الخاصّة ما دمت لا ولن أستخدمها. وهكذا الحال في أبسط الأمور فإن حضرت ورشة عمل لن آخذ القلم والدفتر الدعائي ما دمت أقوم بمعظم كتاباتي على جهاز الكمبيوتر. وما ساعدني أكثر في ذلك هو حرصي وإحساسي بالمسؤولية من نحو البيئة، فلماذا أشتري أكواب وعبوات الماء البلاستيكية، بينما يمكنني ملء عبوتي الخاصة (من نوع جيد) بالماء أو القهوة في كلّ يوم، ولماذا أستخدم المواد القابلة للاستخدام مرّة واحدة في حين يوجد بديل أفضل بيئتي الغالية عليّ. 


أستمتع حاليًا بحياة خالية من تلك الفوضى، والتي حاولت مؤخرًا كذلك تطبيقها على حياتي الإلكترونية. فلن أجعل هاتفي مزدحمًا بتلك التطبيقات التي لا أستخدمها، ولا ذلك المحتوى غير المفيد لي. أختار بعناية ما أتابع على الإنترنت كي أستمتع بذهن مرتاح قادر على التفكير بهدوء بعيدًا عن كل تلك المنشّطات الفكرية الضارة. 


أكتب أفكاري تلك النابعة من قلبي وخبرتي راجية لكل من يقرأها حياة خالية من فوضى الممتلكات، وعالم إلكتروني مريح غير فوضوي. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل بطاريتك مشحونة؟ جزء 1

همّ البنات للممات

عالسريع