إلا أنها تبقى ........

لقاءاتهم معاً، تلك ما كان يجعلهم ينسون كل همّ وكل ما يشغل بالهم، ففي جمعتهم معاً كانوا يقضون أحلى الأوقات. لم تكن تلك لقاءات مخطَط لها ولم تكن ضمن برنامج واضح ومنظم، فقد كانوا في كثير من الأحيان يذهبون للسير وتناول الساندويشات أو حضور فيلم سينما أو الجري في ملعب كرة القدم الكبير. إلا أنها كانت لقاءات لا يمكن أن تنسى. ومرت الأيام وتغيرت الأحوال إلا أن تلك اللقاءات لم تنتهِ بل استمرت ودامت، ولكنها مع مرور الوقت اتخذت طابعاً جديداً وشكلاً مختلفاً. وهناك من انسحبوا بعيداً فمنهم من سافر إلى خارج البلاد لدراسة أوعمل، ومنهم من جذبته الحياة بمشغولياتها ودخل في دائرة أخرى مختلفة. إلا أن هؤلاء رغم أن عددهم قلّ قليلاً عما قبل لكنهم ما زالوا معاً وها هم يذهبون معاً لتناول القهوة هذه المرة أو لسماع عازف العود في جلسة في أحد المطاعم، وفي جلساتهم تلك كانت الأمور تختلف عما سبق فالبعض منهم نال بضعة كيلوغرامات إضافية تركزت نسبة كبيرة منها في منطقة البطن، وآخر رغم محاولاته المتكررة لمنع حدوث ما يحدث إلا أنه حدث وذلك ما كان يخشاه فقد بدأت عدد الشعرات التي تسقط في ازدياد وازدادت معها تلك الرقعة الفارغة على رأسه. ولكنهم ما زالوا يجتمعون. وفي لحظات من الفكاهة والتي كان يبدأوها أحد أفراد الشلة في الغالب والمعروف بروحه المرحة، في تلك اللحظات كان يغتاظ أحدهم والذي هو في سنين زواجه الأولى عندما كانوا يذكّرونه بعدد علاقاته الفاشلة السابقة مع العديد من الصبايا، ويغنون له الأغنيات التي كان يحبها. كل هذا ومع القليل من الضحك كان يجعلهم يتخلصون من الكثير من التوتر الذي كانوا يشعرون به. التوتر بعد متابعة أسعار الأسهم وبعد محاولة شراء سيارة جديدة وبعد الصراع من أجل البحث عن شقة والحصول على فرصة عمل أفضل. لكنهم معاً كانوا يستمتعون ويضحكون ويتخلصون من بعض تلك التجاعيد في أعلى الجبين وخاصة بعد جلسات طويلة من الجلوس على أجهزة الكمبيوتر. ومرت سنوات طويلة وقلّت تلك اللقاءات وانشغل العديد منهم، فهناك من قد أنعم الله عليه بأسرة يزداد عددها بسرعة أكبر من المتوقع من جيل هذه الأيام وها هو الآن في انتظار طفله الخامس. وآخر نال نجاحاً وشهرة كبيرة وانشغل في اللقاءات الصحفية والتلفزيونية، وآخر كان المرض هو ما كان يشغله ويشغل عائلته معه فمضاعفات جرعة العلاج الكيماوي ونقص مناعته جعلته بعيداً وفي وضع صعب. إلا أنهم ما زالوا يلتقون أحياناً صدفة في لقاءات اجتماعية ما أو في مناسبات كعزاء أو زواج، وبدون تخطيط مسبق تراهم يجتمعون جالسين معاً وكأن هناك مغناطيس يجذبهم. فالمودة والصداقة التي جمعتهم معاً لم تكن مجرد لحظات ينسون فيها همهم أو يقضون وقتاً ممتعاً أو يضيّعون وقت الشباب المراهق التائه لكنها كانت لحظات تجمعها معاً الذكريات وتبقيها معاً كذلك تلك الذكريات. فمع مرور الأيام ما زال هناك ما يمكنهم أن يتحدثون عنه، ألا وهو ذكرياتهم أيام الصغر. ورغم الشيب الذي يعلو رؤوس من لم يصبه الصلع إلا أن في أعماقهم ما زال هناك جزء شابّ يضحك ويقهقه مع كل ذكرى يتذكرها من أيام الشباب. فالعمر يمضي والأيام تمر، ولكن الذكريات تبقى وهي تنعش الفؤاد وتطلق الضحكات وتجمع الأحبة معاً رغم الفروقات والحواجز والصعوبات.

silhouette of three people up on mountain cliff

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل بطاريتك مشحونة؟ جزء 1

همّ البنات للممات

عالسريع