بابا وماما والتكنولوجيا
منذ بضعة سنوات تبدّل الحال، فأصبحت تهنئة عيد ميلادي وذكرى زواجي تصلني برسائل نصية، ودعوات لقاء العائلة الكبيرة على الغداء تصل لنا من خلال رسائل على "السكايب". ليس ذلك فقط فالفيس بوك أصبح مهماً بالنسبة لنا كعائلة، فلا بد من أن هناك ما هو جديد، صور وتعليقات وأخبار. كل هذا كان من والدي الذي بحسب ما يُقال أنه من "كبار السن" فها هو على أبواب الثمانين. ولكن عدد سنوات عمره لم تقف عائقاً أمامه لكي يتعلّم ما هو جديد فيما يتعلّق بالتكنولوجيا. فبدّل جهاز الكمبيوتر بآخر محمول، والكاميرا الرقمية أصبحت ضرورة بالنسبة له، وطابعة وسكانر وفاكس وغيرها من الأجهزة بدأت تملأ البيت، لا تملأ البيت فقط ولكن تملأ وقته في تجربتها والإبداع في استخدامها.
فها صور زواجه والكثير من الصور القديمة، تلك التي بالأبيض والأسود، حيث كان محظوظاً في تلك الأيام مَن كان يملك كاميرا، ها تلك الصور تتحول إلى عرض على الكمبيوتر. ويمكنك أن تجد البعض منها بين الحين والآخر على صفحته الخاصة على الفيس بوك. إن هذا ما دفع أخي إلى عمل صفحة للمعجبين به على الفيس بوك، فها عدد الـ "Fans" في ازدياد. وأكثر ما أدهشني أنه الآن يستخدم برنامج الـexcel لعمل الأمور المحاسبية لصندوق خاص بالعائلة أو العشيرة. إنه يجرب ويجرب ولا ييأس ويقضي أوقاتاً طويلة ويسهر ليتمم المهمة.
أخذ والدي دورة كمبيوتر في أحد المراكز منذ عدة سنوات وكان معه شباب في مقتبل العمر ممن لم يحالفهم الحظ في تعلم الكمبيوتر أيام المدرسة أو الجامعة. وكان يكتب ويسجل ويعود ليطبق. أحياناً كانت الذاكرة تخونه ولكنه لم يسمح لها بأن تقوده إلى الفشل، فالفشل كلمة ألغاها من قاموسه، فاعتمد على دفتره الخاص، ذلك الدفتر ذكرني بدفتر النسخ أيام الابتدائي. ولكنه كان يعود إليه بين الحين والآخر. لماذا يكون في الخلف؟ لم لا يتقدّم إلى الأمام؟ كان ذلك دافعاً لمن في سنه ولأصدقائه وبعض أقاربه. وصار هو المقياس لأصدقائنا حيث قالوا لأبائهم وأمهاتهم: العمو على الفيس بوك ويحكي على السكايب مع بنته في أمريكا.
قد يكون للعمر أهمية ولكن ليس هو كل الحكاية فهناك الدافع والتصميم والإرادة، والأهم هناك الموقف الداخلي، ما هو موقفي من التكنولوجيا؟ هل هي الغريب الذي اقتحم عالمنا، وحارب أقلامنا وانتصر على دفاتر مفكراتنا؟ أم هي الوسيلة التي تسهّل حياتنا وتغير في طريقة إنجازنا لأعمالنا وإتمامنا لمهماتنا وتفاعلنا مع غيرنا؟ كيف أفكر يؤثر كثيراً في كيف أتصرف وأعمل.
ومع كل يوم جديد هناك شيء جديد لنتعلمه مهما كان عمرنا فالحياة لحظات نحياها ولا نعلم متى تنتهي شباباً كنا أم أطفالاً أم شيوخاً.
ولكن ما زال هناك أمر أمام والدي وهدف يسعى إلى تحقيقه: أن يعمل شات مع أمي، ويتلقى منها رسائل نصية على الموبايل. فهي لها طريقتها الخاصة وفلسفتها من نحو كل أمور التكنولوجيا هذه.
هنيالك بأبوك يا مدام
ردحذف